'رقوج' على ركح قرطاج يستحضر الذاكرة ويكرّم رموز الساحة الفنية
احتضن المسرح الأثري بقرطاج، مساء أمس، عرض العمل المسرحي الموسيقي "رقوج"، الذي حمل توقيع الثنائي عبد الحميد وحمزة بوشناق، وسط حضور جماهيري كبير .
كما شهدت السهرة حضور عدد من الوجوه الفنية والإعلامية التي تابعت العمل.
انطلاق العرض
بدأ العرض في حدود التاسعة وخمسين دقيقة وسط أجواء حماسية، واستمرّ لأكثر من ساعتين، قدّم خلالها فريق العمل مزيجًا من المسرح والغناء والرقص والموسيقى، ليعيد روح المسلسل الرمضاني إلى ركح قرطاج في تجربة فنية حيّة.
وشارك في تنفيذ العمل أوركسترا موسيقية مكوّنة من 40 عازفًا بقيادة المايسترو راسم دمق، فيما صمّمت أميمة مناعي اللوحات الكوريغرافية التي تميّزت بدقة حركاتها وانسجامها مع الألحان، ما أضفى بعدًا بصريًا متكاملًا مع السرد الدرامي.
مشاكل تقنية وتوظيف الذكاء الاصطناعي
رغم التحضيرات المكثّفة، واجه العرض بعض المشاكل التقنية في الصوت، إلا أنّها لم تؤثر على سلاسة سير العمل أو تفاعل الجمهور.
كما كان من المقرر أن يتضمّن العرض مشهدًا يعتمد على حصان حيّ على الركح، غير أنّ وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية منعت ذلك قبل ساعات من انطلاق السهرة، وفق ما أكّده المخرج عبد الحميد بوشناق، الذي قال:"وكالة التراث منعتنا من وضع الحصان قبل سويعات من العرض… كنا مستعدين، لكنهم رفضوا اليوم، وأعتذر لكم من كل قلبي."
ولتجاوز هذا الإشكال، استعان فريق العمل بتقنية الذكاء الاصطناعي لتعويض المشهد المحذوف، في توظيف تقني دعم البعد البصري وساهم في الحفاظ على ترابط السرد.
المضامين والقيم المطروحة
تناول "رقوج" مجموعة من القيم الإنسانية الكونية، على غرار الوفاء، الولاء للوطن، الأمل، الحلم، والأخوّة، كما تطرّق إلى قضايا اجتماعية معاصرة، من أبرزها:البطالة وانعكاساتها على المجتمع،الرشوة ومظاهر الفساد،الطمع والانتهازية، علاقة الإنسان بالأرض والأم، الحب بمختلف أشكاله وتجلياته.
من ناحية أخرى، الركيزة الأساسية لـ"رقوج " هو الحبّ الذي يتواجد بأوجهه المتعددة والمتناقضة لعلّ أبرزها الحب المجنون بين محبوبة ويوسف، والحب الأعمى بين بيدرو وشامة، والحب النقي وغير المشروط بين عيدة وميلاد.
لمسات وفاء واستحضار للذاكرة
خصص العرض لوحة فنية مؤثرة للعاملات الفلاحيات، حيث استُخدمت أوشحة ملوّنة كرمز للكرامة والصمود، ورفعتها الممثلات في مشهد يستحضر مسيرة طويلة من التعب والنضال.
كما تضمّن العمل تكريمًا خاصًا للفنان الراحل أحمد العبيدي "كافون"، إذ عُرضت صورته على الشاشة عبر تقنية الذكاء الاصطناعي بالتزامن مع انطلاق أغنيته، في لحظة لاقت تفاعلًا واسعًا من الجمهور.
وكما شمل العرض تكريما لأسماء فنية راحلة كان لها تأثير في المشهد الثقافي، على غرار فتحي الهداوي، توفيق البحري، فاضل الجزيري، وياسر الجرادي، إضافة إلى غيرهم ممن فقدتهم الساحة الثقافية التونسية.
الأزياء كعنصر سردي
شكّلت الأزياء جزءًا مهمًا من هوية العرض، حيث استُخدمت الأوشحة الملوّنة وقطع القماش البسيطة لتجسيد رموز الانتماء للأرض وذاكرة الحقول والهوية الشعبية، في توظيف بصري مدروس عزّز الطابع الواقعي للعمل وأضفى عليه بُعدًا فنيًا متماسكًا.
تفاعل الجمهور وردود الأفعال
حظي العرض بتفاعل جماهيري ملحوظ، إذ اندمج الحاضرون مع الحوار والموسيقى والكوريغرافيا، وتردّد صدى الأغاني بين الجمهور الذي شارك في أداء بعض المقاطع.
وشهدت السهرة بعض اللحظات التي أثارت تباينًا في ردود الأفعال، أبرزها ما حدث خلال مشهد الممثل مهدي مزاح الذي يجسّد شخصية الدكتور “ هادي “ الذي تلفّظ بكلمة بذيئة عن غير قصد في لحظة نسي فيها أنّ الميكروفون مازال مفتوحا ، إلا أن الجمهور واصلوا متابعة العرض بنفس الحماس حتى نهايته.
عرض مُهدى لروح الجدّ
في ختام السهرة، ألقى المخرج عبد الحميد بوشناق كلمة أعلن فيها إهداء العمل إلى جدّه محمد توفيق الفالح، الذي تعكرت حالته الصحيّة وكان في العناية المركزة، قائلاً:"هذا العرض اشتغلته في خاطر جدي… أردت أن يكون موجودًا الليلة لكنه في الإنعاش… حبّوا بعضكم."
وقد أُعلن صباح اليوم عن وفاة جدّ الأخوين عبد الحميد وحمزة بوشناق وفي هذا المصاب الجلل نتقدم بالتعزية إلى عائلة الفقيد .
*ليندا بلحاج